فصل: فصل: القاعدة الثانية: ما أخبر الله تعالى: به في كتابه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


فصل‏:‏ القاعدة الثانية‏:‏ ما أخبر الله تعالى‏:‏ به في كتابه

أو أخبر به رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجب علينا الإيمان به، سواء عرفنا معناه، أم لم نعرفه

لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل‏}‏ ‏[‏‏]‏ ‏(‏1‏)‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرًا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض وكان الله عليمًا حكيمًا‏}‏ ‏[‏‏]‏ ‏(‏2‏)‏‏.‏

ولأن خبر الله تعالى‏:‏ صادر عن علم تام، فهو أعلم بنفسه وبغيره كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قل أأنتم أعلم أم الله‏}‏ ‏[‏‏]‏ ‏(‏3‏)‏‏.‏

ولأن خبر الله تعالى‏:‏ أصدق الأخبار كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن أصدق من الله حديثًا‏}‏ ‏[‏‏]‏ ‏(‏4‏)‏‏.‏

ولأن كلام الله تعالى‏:‏ أفصح الكلام،وأبلغه،وأبينه كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرًا‏}‏ ‏[‏‏]‏ ‏(‏5‏)‏‏.‏وقال‏:‏ ‏{‏الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني‏}‏ ‏[‏‏]‏ ‏(‏6‏)‏‏.‏ متشابهًا يشبه بعضه بعضًا في الكمال والبيان ‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏:‏ ‏{‏نزل به الروح الأمين ‏.‏ على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين‏}‏ ‏[‏‏]‏ ‏(‏7‏)‏‏.‏

ولأن الله تعالى‏:‏ يريد بما أنزل إلى عباده من الوحي أن يهتدوا ولا يضلوا كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم‏}‏ ‏[‏‏]‏ ‏(‏8‏)‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم‏}‏ ‏[‏‏]‏ ‏(‏9‏)‏‏.‏

وهكذا خبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صادر عن علم فإنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلم الناس بربه، وأسمائه، وصفاته، وأحكامه‏.‏

وخبره أصدق أخبار البشر، وكلامه أفصح كلام البشر، وقصده أفضل مقصود البشر، فهو أنصح الخلق للخلق‏.‏

فقد اجتمع في خبر الله تعالى‏:‏ وخبر رسوله كمال العلم، وكمال الصدق وكمال البيان، وكمال القصد والإرادة، وهذه هي مقومات قبول الخبر ولهذا لو صدر الخبر عن جاهل أو كاذب، أو عيي، أو سيئ قصد لم يكن مقبولًا لفقده مقومات القبول أو أحدها‏.‏

فإذا كانت مقومات قبول الخبر تامة على أكمل وجه في خبر الله ورسوله وجب الإيمان به، وقبوله سواء كان نفيًا، أم إثباتًا، ولم يبق عذر لمعتذر في رده، أو تحريفه، أو الشك في مدلوله، لا سيما في أسماء الله تعالى‏:‏ وصفاته‏.‏

وكذلك ما ثبت باتفاق سلف الأمة وأئمتها وجب قبوله وعامة هذا الباب ‏"‏باب الأسماء والصفات‏"‏ منصوص عليه في الكتاب والسنة متفق عليه بين سلف الأمة‏.‏

وأما ما تنازع فيه المتأخرون مما ليس في الكتاب والسنة ولا عند سلف الأمة فليس على أحد، بل وليس لأحد أن يثبت لفظه، أو ينفيه لعدم ورود السمع به، وليس له أن يقبل معناه أو يرده حتى يعلم المراد منه فإن كان حقًا وجب قبوله وإن كان باطلًا وجب رده‏.‏

ولذلك أمثلة، منها‏:‏

المثال الأول‏:‏ الجهة‏:‏

أي لو قال قائل‏:‏ إن الله في جهة، أو هل لله جهة‏؟‏

فيقال له‏:‏ لفظ ‏"‏ الجهة ‏"‏ ليس في الكتاب والسنة إثباته ولا نفيه، فليس فيهما أنه في جهة، أو له جهة، ولا أنه ليس في جهة، أو ليس له جهة، وفي النصوص ما يغني عنه كالعلو، والفوقية، والاستواء على العرش، وصعود الأشياء إليه ونزولها منه‏.‏

وقد اضطرب المتأخرون في إثباته ونفيه، فإذا أجريناه على القاعدة قلنا‏:‏ أما اللفظ فلا نثبته ولا ننفيه لعدم ورود ذلك، وأما المعنى فينظر ماذا يراد بالجهة‏:‏ أيراد بالجهة شيء مخلوق محيط بالله عز وجل، فهذا معنى باطل لا يليق بالله سبحانه فإن الله لا يحيط به شيء من مخلوقاته فقد وسع كرسيه السموات والأرض، ولا يؤوده حفظهما، ولا يمكن أن يكون داخل شيء من مخلوقاته‏.‏

أم يراد بالجهة ما فوق العالم، فهذا حق ثابت لله عز وجل فإن الله تعالى‏:‏ فوق خلقه عال عليهم، كما دل على ذلك الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة، وفي صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لجارية كانت له‏:‏ ‏(‏أين الله ‏؟‏‏)‏ قالت‏:‏ في السماء‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏من أنا‏؟‏‏"‏ قالت‏:‏ أنت رسول الله‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏أعتقها فإنها مؤمنة‏)‏‏.‏

المثال الثاني‏:‏ الحيز أو المتحيز‏:‏

فإذا قال قائل‏:‏ هل نصف الله تعالى‏:‏ بأنه متحيز أو في حيز‏؟‏

قلنا‏:‏ لفظ ‏"‏ التحيز ‏"‏ أو ‏"‏ الحيز ‏"‏ ليس في الكتاب والسنة إثباته ولا نفيه عن الله تعالى‏:‏ فليس فيهما أنه في حيز، أو متحيز، ولا أنه ليس كذلك وفي النصوص ما يغني عنه مثل الكبير المتعال‏.‏

وقد اضطرب المتأخرون في إثبات ذلك لله تعالى‏:‏ أو نفيه عنه فإذا أجريناه على القاعدة قلنا‏:‏ أما اللفظ فلا نثبته ولا ننفيه لعدم ورود السمع به، وأما المعنى فينظر ماذا يراد بالحيز أو المتحيز أيراد به أن الله تعالى‏:‏ تحوزه المخلوقات وتحيط به، فهذا معنى باطل منفي عن الله تعالى‏:‏ لا يليق به فإن الله أكبر، وأعظم، وأجل من أن تحيط به المخلوقات وتحوزه كيف وقد وسع كرسيه السموات والأرض، والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه‏؟‏ ‏!‏ وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏يقبض الله تبارك وتعالى‏:‏ الأرض يوم القيامة ويطوي السموات بيمينه ثم يقول‏:‏ أنا الملك أين ملوك الأرض ‏؟‏‏"‏‏.‏ وقال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ ‏"‏ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم‏)‏‏.‏

أم يراد بالحيز أو المتحيز‏:‏ أن الله منحاز عن المخلوقات أي مباين لها منفصل عنها ليس حالًا فيها، ولا هي حالة فيه، فهذا حق ثابت لله عز وجل كما قال أئمة أهل السنة ‏:‏هو فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ جاء في القاعدة ‏"‏أنه يجب علينا الإيمان بما أخبر الله به ورسوله سواء عرفنا معناه أم لا ‏"‏ لكن ليعلم أنه ليس في كلام الله ورسوله شيء لا يعرف معناه جميع الأمة، بل لابد أن يكون معروفًا لجميع الأمة أو بعضها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون‏}‏ ‏[‏‏]‏ ‏(‏1‏)‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين‏}‏ ‏[‏‏]‏ ‏(‏2‏)‏‏.‏

ولأنه لو كان فيه مالا يعلم معناه أحد لكان بعض الشريعة مجهولًا للأمة، ولكن المعرفة والخفاء أمران نسبيان، فقد يكون معروفًا لشخص ما كان خفيًا على غيره، إما لنقص في علمه، أو قصور في فهمه، أو تقصير في طلبه، أو سوء في قصده‏.‏